إذاعة BBC

ابحث فى مدونتى

form method="get" action="/search" id="search">

الجمعة، 14 فبراير 2014

تأثير التقنيات المعلوماتية على بناء مناهج الرياضيات، تأليف إيمان أسطة تاثير التقنيات اضغط لتنزيل البحث
 لعّل الاستجابة لتأثيرات التقنيات المعلوماتية، وما تنتجه من تغيرات عميقة، هي من أصعب الإشكاليات التي تواجهها اليوم مناهج التعليم ولا سيما مناهج الرياضيات. ففي عصر المعلومات الذي يتسارع فيه التطور التكنولوجي مغيراً مقوّمات العمل والتعلم والتفكير، تتزايد الحاجة الى مناهج وطرائق تدريس تنسجم مع هذه الثورة الجديدة. لقد غدا من المؤكد أن أخذ هذا المعطى الجديد بعين الاعتبار، خلال وضع مناهج للرياضيات، لم يعد اختيارياً ولا مقتصراً على مجموعة من الأنشطة الجانبية "اللاصفّية" تضاف الى منهج يعتمد مرتكزات وأهدافـاً كلاسيكـية. فالدافع لدمج التقنيات المعلوماتية بشكل عضوي في منهـج
الرياضيات ليس "الرغبة باللحاق بركب التطور" أو الدهشة أمام قـدرات الأداة الجديدة أو الاستفادة من عناصر التحفيز على التعلم التي تقدمها (فحسب)، وإنما هو الضرورة الحتمية لاستيعاب آثار الثورة الجديدة الثقافية والفكرية والاقتصادية، ضمن صياغة جديدة لأهداف تعليم الرياضيات ومحتواه وطرائقه.
وقد يوحي العنوان "تأثير المعلوماتية على بناء مناهج الرياضيات" بتأثير مباشر وحيد الإتجاه، يتناول التقنيات المعلوماتية بشكل مطلق دون أن يأخذ بعين الاعتبار أنماط استخدامها المختلفة والمتنوعة في تدريس الرياضيات. إلا أن العلاقة بين تطور التقنيات المعلوماتية واستخداماتها المختلفة وبين مناهج الرياضيات ليست بهذا التبسيط، ولا هي أحادية الاتجاه. إنها علاقة جدلية تطورت وتحولت عبر العقود السابقة، وارتسمت خطوطها من خلال تجارب متعددة ورؤى مختلفة لما يمكن أن يكون عليه دور الكمبيوتر أو الحاسبة ضمن عملية تعليم وتعلم الرياضيات. واليوم تتجه هذه العلاقة نحو اتخاذ بُعدٍ أعم وأشمل، إذ تمر عبر ملامح الثقافة التي يرسيها عصر المعلومات وأدواته. فالكمبيوتر هو على حد تعبير بيبر "حامل لِبذور ثقافية متى تجذرت في العقل لم تعد بحاجة  (Papert,1980)"الضرورة الى الأداة التكنولوجية المادية لتعطي نتائجها الفكرية .
ولو نظرنا الى الانتشار السريع للكمبيوتر في الكثير من مجالات العمل والتسلية والتعليم، لرأينا أن هذه الآلة تغيّر الكثير من ملامح الثقافة في المجتمع. فقد أحدثت التقنيات المعلوماتية الناتجة عن تطور التكنولوجيا الرقمية تحولات عميقة في مجالات العلم وفي أساليب إدارة المكاتب، كما أحدثت شبكات الاتصال ثورةً في التعامل مع المكان والزمان والمعرفة. لقد وضع عصـر المعلومـات (أو سيـضع) بين أيدي التلاميذ والأساتذة وفي المختبرات وغرف الصـف أدوات جيدة أهمها الحاسبة والكمبيوتر، يتم استعمالها لتسهيل العمليات الحسابية من جهة، وكأدوات تعليمية من جهة أخرى. إلا أنه فرض على المدرسة متطلبات جديدة تتعلق بمواصفات الخريجين والمرشحين لسوق العمل ومقتضياته الجديدة. فالتغيرات الجديدة تفرض على قطاع واسع من الناس استخداماً أوسع للرياضيات التطبيقية ولتقينات الكمبيوتر في عملهم. لذا، فقد غدا لزاماً على المناهج أن تستجيب لهذه الحاجات الاجتماعية والاقتصادية وحتى الفكرية؛ وهكذا، لا تعود الإشكالية المتعلقة بخيار استعمال الكمبيوتر أو عدمه في التعليم مطروحة، إذ في كلا الحالين على المناهج أن تعد المواطن المتمتع بالمهارات وبالقدرات الفكرية التي تخوّله العيش في المجتمع الجديد.
إن الكثير من الدراسات التي حاولت استقصاء أسباب فشل مناهج الرياضيات عزت هذا الفشل الى عدم قدرة التلاميذ على القيام بعملية نقل transfer للمهارات وللعمليات الرياضية التي تعلّموها، من أجل حلّ مسائل حياتية واقعية. فهم يتعلمون الرياضيات عبر مسائل مصطنعة بمعزل عن سياق context ما يعتبرونه مسائل مرتبطة بحياتهم اليومية (Dossey et al.,1988; Shoenfeld,1985). كما تبين أن التلاميذ يحتفظون بمهاراتهم الحسابية والخوارزمية وبمعرفتهم للصيغ الرياضية ما داموا يستمرون في استعمالها. وما إن يتم اختبار هذه المهارات في الامتحانات حتى ينسوها أو ينسوا على الأقل تلك التي لم يتدربوا على استعمالها في حل المسائل التي تهمهم(Shoenfeld, 1989).
أما اليوم فالتقنيات المعلوماتية تؤمّن أدوات تسمح لواضعي مناهج الرياضيات بتخطي هذه المشاكل وبإدخال مسائل ضمن المناهج تنبع من الواقع وترتبط به. كما أنها تسقط عن  كاهل العملية التعليمية عبء الحسابات الطويلة المعقدة لتفسح في المجال لتنمية قدرات عقلية ومهارات أكثر دواماً وارتباطاً بشخصية المتعلم.
إنما كيف يمكن لمناهج الرياضيات أن تستفيد من هذه الأدوات؟ وكيف تنعكس تأثيرات التقنيات المعلوماتية في مناهج الرياضيات؟ وكيف يمكن لمنهج جديد في مجتمع ما أن يوائم بين تراث هذا المجتمع التعليمي ومخزونه الثقافي وبناه الاقتصادية، وبين التأثيرات السريعة للتقنيات المعلوماتية؟ تهدف هذه الورقة الى تقديم مساهمة ولو بسيطة في هذا المجال، عن طريق محاولة دراسة العلاقة بين مناهج الرياضيات والتقنيات المعلوماتية، وتطور هذه العلاقة عبر دراسات وتجارب وتطبيقات مختلفة. وإذ تأتي هذه الدراسة في فترة تشهد سعي لبنان الى نفض الغبار عن مناهجه وتحديثها، فهي تطمح الى طرح موضوع المعلوماتية التعليمية في مناهج الرياضيات على طاولة البحث، مع محاولة لتقديم عناصر اسئلة (ولا أقول أجوبة) قد تحفز على التفكير في هذا الاتجاه، حتى لا نضيّع على أنفسنا فرصة تاريخية قد لا تتوفر خلال سنوات أو حتى عقود قادمة، وهي فترة طويلة جداً إذا قورنت بسرعة التطور التكنولوجي.
ولا بد لنا أولاً من أن نفهم العلاقة القائمة بين تكنولوجيا المعلوماتية ومناهج الرياضيات بشكل أعمق وأوضح. وكما ذكرنا سابقاً، فهذه العلاقة ليست علاقة بسيطة مباشرة، وإنما علاقة بُنيت وما زالت تُبنى عبر تجارب كثيرة متنوعة. لذلك، يتولى القسم التالي من هذا البحث إعطاء صورة "تاريخية" تطورية لهذه العلاقة، وللأنماط المختلفة التي شهدها الاستعمال التعليمي – التعلمي للكمبيوتر والحاسبة في تدريس الرياضيات ومناهجه. أما القسم الذي يليه، فيقدم أنموذجاً للاتجاه الحالي في تحديد هذه العلاقة ضمن رؤية شاملة تُدخل تغيّرات نوعية جذرية الى مرتكزات مناهج الرياضيات لتتلاءم مع عصر المعلومات والمعلوماتية.

أولاً: العلاقة بين المعلوماتية وتدريس الرياضيات:
نظرة تاريخية ونظرة استشرافية
إذا كانت كلمة "تاريخية" توحي بفترة زمنية سابقة طويلة نسبياً، فعمر التاريخ في سياق الحديث عن التقنيات المعلوماتية يبدو قصيراً جداً، نتيجة تطورها السريع. يهدف العرض التالي الى استعراض التجارب والأنماط المختلفة من استخدامات الكمبيوتر والحاسبة في تعليم الرياضيات منذ بداية وعي المربّين لإمكانيات هذه التقنيات في ذاك المجال حتى اليوم، ومحاول تلمّس للاتجاه المستقبلي. ولا يعتمد العرض بالضرورة تسلسلاً زمنياً صارماً، أي أن العناوين المعتمدة لا يضبطها بالضرورة تسلسل زمني وإنما تصنيف للتجارب المختلفة، علماً أن كل هذه الأنماط ما زال معتمداً حتى اليوم بتفاوت.
1.التعليم المبرمج
لعلّ التعليم المبرمج Programmed Instruction كان أول الاستخدامات للكمبيوتر في تدريس المواد المختلفة، ومن ضمنها الرياضيات. فانتشار هذه التكنولوجيا الجديدة وقدراتها التي بدأت تتبدّى أمر داعب أحلام المربّين والمهتمين بشؤون التعليم، فتوسموا فيه حلاً للكثير من مشكلاته، ووسيلة لفردنة التعليم Individual instruction.
ويشمل التعليم المبرمج استعمال الكمبيوتر كمعلم Tutor، يقدم المعلومات للتلميذ ثم يطرح عليه أسئلة ويقيّم إجاباته، فينقله الى مرحلة أبعد إذا كانت الإجابات صحيحة، أو يعطيه فرصة جديدة إذا كانت خاطئة. كما يشمل أيضاً التدريب على المهارات الرياضية والعمليات والخوارزمات المختلفة من خلال مجموعة من التمارين المصنّفة على أساس الموضوع وعلى أساس المستويات المختلفة لمعرفة المتعلم به

إن هذا النمط من استخدام الكمبيوتر في التدريس يرتكز على النظريات التعليمية القائمة على التشريط وتعديل سلوك المتعلم بتعزيز استجاباته الصحيحة وبالتخفيف من استجاباته الخاطئة، ولا يؤثر بشكل كافٍ في بناه العقلية العليا ونهج تفكيره وتعاطيه مع المادة. وعلى الرغم من الكم الهائل من البرمجيات التي تقوم على فكرة التعليم المبرمج، فإن اعتماده اليوم في انحسار متزايد، تزيد من حدّته أطروحات النظريات المعرفية الحديثة Cognitive theories التي تعتبر المتعلّم مركزاً للعملية التعلمية وبانياً لمعرفته عبر تفاعله مع محيطه، وهذا ما يتعارض مع فكرة تقديم المعرفة جاهزة إليه من مصدر آخر، سواء كان ذاك المصدر المعلم أو الكمبيوتر.
أما من حيث علاقة التعليم المبرمج بالمناهج، فإننا نجد أن المناهج هي التي تؤثر في هذه الحالة على التقنية المعلوماتية ونمط استخدامها، إذ أن بناء البرمجيات Software يرتكز على المناهج المعتمدة ويستقي منها دون أن يُحدث فيها تعديلاً عميقاً، إلا من جهة شكلية ناتجة عن إمكانيات التفاعل وتقنيات اللون والصوت والحركة التي يضيفها الكمبيوتر على أسلوب طرح المواضيع، مقارنةً بالكتاب.
2.الآلة الحاسبة
من الممكن أن نرد استخدام الحاسبة الالكترونية في تدريس الرياضيات الى بداية السبعينات. في تلك الفترة كانت معظم التجارب والاقتراحات تنسب الى الحاسبة دوراً محصوراً في تسهيل الحساب وتسريعه، كما كانت تقتصر على إدخال أنشطة جديدة تضاف الى مجموعة أنشطة المنهج القائم، ولا تعدّل جذرياً في فلسفة ذاك المنهج أو في توازن موضوعاته أو في طرائقه.
وقد بقي الحذر من الآثار السلبية لاستخدام الحاسبة علامة فارقة لمدة طويلة في تاريخ استعمال الحاسبة الالكترونية في التدريس. فالكثير من الأبحاث والدراسات كانت تتخوّف من هذه الأداة وتأثيرها السلبي على قدرات التلاميذ ومهاراتهم الحسابية، الى جانب تخوّف إدارات المدارس والمعلمين والأهل. وحتى بعض الدعوات والتجارب التي كانت تشجّع على استعمالها، فإنها كانت تفعل ذلك بشكل خجول (Mercer, 1992).
وعام 1978، صرّح المجلس الوطني لمدرّسي الرياضيات (NCTM) في الولايات المتحدة بموقفه من استعمال الآلة الحاسبة في تدريس الرياضيات، وهو "تشجيع استعمال الحاسبات في الصف كوسائل تعليمية وكأدوات حسابية. فالحاسبات تمنح مدرّسي الرياضيات فرصاً جديدة لمساعدة تلاميذهم على تعلّم الرياضيات وحل مسائل معاصرة. إلا أن استعمال الحاسبات لا يشكل بديلاً عن ضرورة تعلّم المهارات الحسابية"NCTM,1978.نلاحظ في هذا الموقف اعترافاً بأهمية الحاسبات في تعليم الرياضيات، مع بقاء بعض الحذر.
وتدريجاً، بدأت تتبيّن الإمكانيات الواسعة التي تمنحها الحاسبة، لا في مجال التخفيف من عبء العمليات الحسابية الطويلة فحسب، وإنما أيضاً في مجال إمكانيات التجريب واستكشاف العلاقات بين الأعداد وفهم الخوارزمات الحسابية بدلاً من التدرب الآلي عليها. ومع تعمّق هذا الفهم لدور الأداة الجديدة بدأت المخاوف من آثارها السلبية تتبدّد، وبدأ القيّمون يطرحون التساؤلات حول ما إذا كان التدريب على مهارات الحساب المعقدة ضرورياً فعلاً في عصر تتوفر فيه أدوات للقيام بهذه المهمة. وهكذا، ظهر الاتجاه نحو التفكير في تعديل أهداف الرياضيات المدرسية ومحتواها وطرائقها لتنسجم مع النظرة الجديدة لهذه الأداة ودورها. وظهرت كتب ودراسات تقترح أنشطةً من نوع جديد تهدف الى تنمية قدرات ذهنية مختلفة عن تلك التي اعتادت مناهج الرياضيـات تنميتهـا (Morris, 1981; Cornu and Robert, 1983; Coburn, 1987).
وفي عـام 1988، عدّد المجلس الوطني للمشرفين على الرياضيـات National Council for Supervisors of Mathematics أمثلة لمواضيع تستفيد أكثر من غيرها من استعمال الحاسبات (NCSM, 1988)، مما يسمح بإعطائها ثقلاً أكبر في المناهج، ويجعلها تتقدم على مواضيع أخرى كانت تستهلك وقتاً وجهداً كبيرين من قبل، فأصبح بالإمكان التخلي عن تدريسها أو التخفيف من الوقت الممنوح لها لأن الحاسبة يمكن أو تتولاها. فبترشيد استعمال الحاسبة، يستطيع التلاميذ مثلاً اكتشاف طرائق للتعرف الى الأعداد الأولية، كما يستطيعون استكشاف  سلاسل من الأعداد ذات خصائص محددة، ناهيك عن أن الحاسبة توفّر من الوقت والجهد اللذين يُصرفان في تنفيذ العمليات الحسابية، مما يفتح آفاقاً جديدةً في حل المسائل، ويساعد على التطرق الى مسائل واقعية من الحياة اليومية، لا تكون الأعداد فيها مختارة بطريقة مفتعلة للتخفيف من وطأة الحسابات الطويلة. وهكذا، ظهر توجه جديد في النظر الى الحاسبة والدور الذي يمكن أن تؤديه في تدريس الرياضيات، ليس كأداة حسابية فقط وإنما أيضاً كوسيلة تعليمية فعالة وكأداة معرفيـةCognitive tool يغيّر وجودها في طبيعة المعرفة الرياضية نفسها واساليب اكتسابها وبنائـها (Fey, 1992).
واليوم تستمر الدراسات والتجارب والمقترحات حول كيفية استعمال الحاسبة بشكل فعال في تدريس الرياضيات وحول كيفية تكييف المنهج ليتلاءم مع توافر هذه الأداة (Usnick, Lamphere & Bright, 1995).
هنا لا بد من الحديث، بشكل خاص، عن الحاسبة البيانية Graphics Calculator، وهي الوسيلة التي ما زالت تفرض نفسها، بشكل تصاعدي، أداةً عمليةً في تدريس قطاع واسع من مواضيع الرياضيات المدرسية، وذلك لصغر حجمها وتدني ثمنها نسبياً. كذلك فهي تمكّن من التعرض الى مفاهيم ومهارات يمكن اعتبارها قاسماً مشتركاً لكثير من مواضيع الرياضيات، ولا سيما موضوع التوابع Functions، وهو يشكل بحسب (NCTM Standards, 1989) موضوعاً ترابطياً مهماً (Froelich, 1991). زد على ذلك أن بعض الحاسبات البيانية الحديثة تضم أيضاً، الى جانب برمجيات تمثيل التوابع ومعالجتها، برمجيات لاستكشاف الهندسة الإقليمية بطريقة ديناميكية ولربطها بالنظام الإحداثي Coordinate system، وببرمجيات تمثيل التوابع.
3.البرمجة وتدريس الرياضيات
في بداية السبعينات، كثر عدد الدراسات والأبحاث والتجارب في الولايات المتحدة وفي فرنسا حول إمكانيات استعمال الكمبيوتر والحاسبة القابلة للبرمجة في تعليم الرياضيات، باعتماد توجه تربوي جديد يرمي الى تطوير قدرات التفكير والتحليل والتركيب لدى المتعلمين من خلال أنشطة برمجة لعمليات رياضية، أكثر مما يرمي الى تعليمهم من خلال تقديم معلومات اليهم. فقد خصصت مجلة "أبحاث تربوية" التي يصدرها "المعهد الوطني للبحث والتوثيق التربوييـن"Institut National de Recherche et de Documentation Pédagogiques أعداداً خاصة لعرض بعض هذه التجارب، منها على سبيل المثال العددان 54 (INRDP, 1972) و75 (INRDP, 1975).
وارتبطت البرمجة بتدريس الرياضيات لفترة طويلة، وهو ارتباط ناتج عن الطبيعة الرياضية للكمبيوتر وبرامجه، كما أنه نتج عن المبادرات الكثيرة التي قام بها مدرسو رياضيات لاستعمال الكمبيوتر في تدريسهم. أما الأهداف التي يسعى هؤلاء لتحقيقها من وراء استعمال البرمجة نشاطاً تعليمياً للرياضيات، فهي تشمل ما يلي:
-تعزيز فهم بعض العمليات الرياضية: فمن خلال كتابة برامج كمبيوتر لتنفيذ بعض الخوارزمات أو استراتيجيات حل المسائل يكتسب المتعلم فهماً أعمق لها ولمراحلها.
- استحداث سلاسل أعداد أو معطيات ذات خصائص محددة : كأن يكتب المتعلم برنامجاً تكون مُخرجاته معطياتٍ تؤدي دراستها الى اكتشاف علاقاتٍ عددية مميزة.
-تنمية قدرة التحليل والتركيب والمنطق : فنشاط البرمجة بحد ذاته يتطلب تنظيماً في التفكير وتحليلاً للمسألة وتسلسلاً منطقياً لعناصرها.
-تنمية القدرة على حل المسائل : كأن يكتب المتعلم برنامجاً يجعل من الكمبيوتر مساعداً في تولي النواحي الحسابية المضنية والطويلة من حل مسألة ما. وقد فتح هذا الجانب آفاقاُ جديدة لحل مسائل من نوعٍ جديد لم يكن مدرسو الرياضيات ليجرؤوا على طرحها من قبل.
وحتى نستطيع أن نتبين الاختلاف النوعي في المسائل التـي يمكن طرحها مـع توفر إمكانيات الكمبيوتر أو الحاسبة القابلة للبرمجة، نقـدم المثـال التالـي (Cangelosi, 1992).
مسألة: حدّد خصائص ثلاثيات الأعداد الفيثاغورية، وهي ثلاثيات الأعداد الصحيحة (أ) و (ب) و (ج) التي تربطها العلاقة: (أ)2 + (ب)2 = (ج)2.
إن الطريقة التي يستطيع التلميذ اتباعها لحل هذه المسألة هي في استخراج خصائص مميزة للثلاثيات الفيثاغورية، عبر بناء سلاسل من هذه الثلاثيات ومقارنتها مع ثلاثيات غير فيثاغورية. إلا أن بناء هذه السلاسل يتطلب جهداً ووقتاً يجعلان من الصعب حل هذه المسألة دون اللجوء الى أداة تتولى هذا العمل الحسابي الطويل. يستطيع التلميذ مثلاً أن يكتب برنامجاً للكمبيوتر يقوم بإعطائه سلسلة من ثلاثيات الأعداد الفيثاغورية. بذلك تتحول طاقة التلميذ وقدراته الفكرية الى دراسة هذه السلاسل ومقارنة الثلاثيات فيها، بدل أن تذهب هباءً في عمليات حسابية تكرارية وطويلة لاختبار ما إذا كانت ثلاثية أعداد معينة فيثاغورية أم لا. وبناءً على المقارنة والتحليل، يطلق التلميذ فرضيةً حول خصائص ثلاثيات الأعداد التي حصل عليها، ويختبر هذه الفرضية ويبني نتيجةً عامةً بهدف برهنتها استنتاجياً في مرحلة لاحقة.
من الواضح أن هذا النمط من المسائل لا يمكن طرحه في غياب استعمال الكمبيوتر أو الحاسبة. فمن غير المعقول أن يتوصل التلميذ من دون هذه الأداة الى الفرضية التالية، وهي تنتج عن مقارنة عددٍ كبير من ثلاثيات الأعداد المطلوبة:  

- . العوالم المصغّرة Microworlds
   ومحيطات التعلم الذكية Intelligent Learning  Environments
ظهر تعبير العوالم المصغرة Microworlds مع ابتكار لغة لوغو التي صممها S. Papert وقدمها من خلال كتابه (Papert, 1980). وقد غدا كتابه هذا من كلاسيكيات الأدبيات التي تعرضت للكمبيوتر ودوره في تدريس الرياضيات. إن أهمية ذاك الحدث هي في التغيير الجذري الذي أحدثه في التعاطي التربوي – المعرفي مع الكمبيوتر. فالعالم المصغر الذي قدّم Papert نموذجاً له من خلال لغة لوغو لا يقدم معرفة جاهزة للمتعلم، وإنما يمنحه محيطاً يتكون من كائنـات Objects، وعلاقات معينة فيما بينها وقواعد للتعامل معها. ويتم التعلم عبر التفاعل الحر مع هذا المحيط باستعمال لغة برمجة بسيطة قريبة من الحدس والفطرة. فنتيجة للأوامر أو البرامج التي يدخلها المتعلم الى الكمبيوتر، يحصل على رسوم هندسية كنتيجة فورية على الشاشة. ومن خلال تقويمه لهذه النتيجة، يستطيع المتعلم تبين ما إذا كانت مُدخلاته صحيحة. أما إذا كانت خاطئة، فالنتيجة نفسها تساعده على استكشاف الخطأ وإصلاحه. هذه العمليات تشجع على تحليل الأشكال ودراستها ومقارنتها (Grandgenett, 1991)، وعلى بناء علاقات عامة بين مجموعات من الأشكال، وعلى التجريب التفاعلي وتنمية المعرفة الهندسية.
لقد أراقت تجربة لوغو الكثير من الحبر، وأوجدت كمّاً هائلاً من الدراسات والتجارب التي تراوحت بين بعض الأنشطة المتفرقة التي يقترحها المربون لتحفيز أو تعزيز تعلم الهندسة وبين مناهج متكاملة في الهندسة قائمة على أساس استعمال لوغو مدخلاً للمعرفة (Battista & Clements, 1988).
إن ابتكار لغة لوغو وفلسفة Papert التربوية التي تقف وراءها شكّلا تحولاً نوعياً في مجال استعمال الكمبيوتر التربوي، إذ نقلا مركز الاهتمام من الآلة نفسها الى المتعلم فجعلاه محور العملية التعلمية وبانياً لمعرفته الخاصة (Papert, 1980).
هذه النظرة الى الكمبيوتر ودوره الجديد فتحت الآفاق لابتكار عوالم مصغرة عديدة تطورت لتصبح فيما بعد "محيطات تعلّم ذكية"، لا سيما في مجال الهندسة، مثل محيطـات Cabri-Geometer و Sketch Pad وغيـرهـا (Schumann, 1992; Chazan & Houde, 1989).
5. استخدام محيط البرمجيات النفعية وسطاً تعليمياً
نقصد بها تلك البرمجيات التي يقدمها الكمبيوتر أدوات عامة يستخدمها كل من يحتاجها، دون أن تكون متخصصة في مجال معيّن، كبرمجيات معالجة النصوص Wordprocessing والجدولـة الإلكترونيـة Spreadsheet والرسم الإلكتروني Computer graphics وغيرها. وقد وجد الباحثون ومدرسّو الرياضيات والمهتمون بوضع مناهجها في برمجيات الجدولة والرسم أدوات فعّالة للتعاطي مع علم العدد والإحصاء ومع الهندسية (Osta, 1988; Verderber, 1990; Wood, 1990; Parker & Widmer, 1992; Sgroi, 1992).
بدأ هذا التعاطي باقتراحات متفرقة لأنشطة تستخدم هذه الأدوات بهدف إغناء النشاط الرياضي، دون أن تغيّر في المنهج نفسه. إلا أن تكاثر هذه الأنشطة وتنوعها وانتشارها أمور طوّرت وعياً لدى المهتمين بالمناهج بأن استعمال هذه الأدوات والتزام شروطها وطرائق تمثيلها للمعرفة، كل ذلك يغيّر في طبيعة النشاط الرياضي نفسه ونوعيـة المعرفة الرياضية التي تـؤدي إليهـا، إذ أنها ليسـت فقط أداة لنشاطات جانبية تضاف الى المنهج، وإنما هي تغيّر في سلّم الأولويات للمواضيع والمعارف التي يهدف منهج الرياضيات الى تكوينها. ففي الوقت الذي تتولى فيه الجدولة الالكترونية تنفيذ العمليات الحسابية، جاعلة حفظ خوارزماتها وتطبيقها من قبل المتعلم أقل أهمية من ذي قبل، فإنها تتطلب من المتعلم قدرات جديدة مثل تحليل المعطيات وتفسيرها وتركيبها بشكل يجعلها ذات معنى ويمكّن من الاستفادة منها. كما أنها تتطلب منه القدرة على التحقـق السريع من النتائج عن طريق التمتع بالحسّ العددي Number sense والقدرة على التقدير Estimation  والتدويـر Rounding، وبناء العلاقات بين الأعداد. وفي حين تتولى الأداة رسم الأشكال الهندسية بدقة ويسر، جاعلة من استعمال الأدوات الهندسية الكلاسيكية ومن تقنيات القياس مهارات اقل أهمية، تتزايد حاجة المتعلم لتطوير قدرات من نوع آخر، مثل القدرة على تحليل الرسوم والأشكال وبناء العلاقات فيما بينها، والقدرة على التجريب وإطلاق الفرضيات والتحقق منها، والحس المكاني Spatial sense والتعامل مع نوع جديد من الهندسة يستفيد من قدرات تحريك الرسوم والأشكال ومن الآفاق التي تفتحها هذه القدرات.
ومع انتشار التكنولوجيا الحديثة لشبكات الاتصال، تتزايد أهمية استعمال هذه البرمجيات في تدريس الرياضيات ودمج هذا الاستعمال دمجاً عضوياً في مناهجه. فإمكانيات الوصول الى شرائح عريضة من المعلومات في بنوك المعلومات العالمية تمنح تعليم الرياضيات مادة غنية لتصميم أنشطة رياضية واقعية تتم معالجتها بواسطة الأدوات المعلوماتية، ولا سيما في مجالات الإحصاء وتمثيل المعطيات بيانياً وإجراء التوقعات واتخاذ القرارات.
هكذا نكون قد قدمنا عرضاً سريعاً لأنماط مختلفة من استعمال التقنيات المعلوماتية، وأشكال تأثيرها في المنهج وتأثرها به. لعلّ هذا العرض يساعدنا في تبين كيفية تطور العلاقة بينهما من خلال التجارب الكثيرة والمختلفة، ومن تمييز الأنماط التي تتمتع بحظ أوفر للبقاء والاستمرار، على ضوء نظريات بناء المعرفة وتطورها، وعلى ضوء الأهداف التي يتبناها المجتمع لمناهجه.

ثانياً: مناهج الرياضيات في عصر المعلومات
كما ذكرنا سابقاً، فإننا سوف نقدم أنموذجا يحمل رؤية جديدة لمناهج الرياضيات، ناتجة عن الرغبة في استيعاب نتائج الثورة المعلوماتية. هذا الأنموذج يرى لمهارات التقنيات المعلوماتية بُعديْن إثنين: يراها هدفاً قد غدا ضرورةً لكل فرد في مجتمع الغد، وأداة ما زالت تسبب تحولات عميقة في أنماط العمل والتفكير وبناء المعرفة ولا سيما المعرفة الرياضية. ونحن إذ نقدم هذا الأنموذج نهدف من وراء ذلك الى فهم أعمق لآلية التغيرات التي يحدثها استعمال التقنيات المعلوماتية في مناهج الرياضيات، والى الاسترشاد بالرؤية التي يقدمها لتطبيق ما يلائم منهـا حاجـات مجتمعنا. هذا الأنموذج هو مثـال "معايير المنهـج والتقـويم" Curriculum and Evaluation Standards for School Mathematics التي وضعها المجلس الوطني لمدرّسي الرياضيات في الولايات المتحدة الأميركية وجسّدها في الكتاب الذي أصدره والذي غدا مرجعاً مهماً لكل من يتطلع الى وضع مناهج جديدة للرياضيات ترمي الى استيعاب آثار الثورة المعلوماتية (NCTM, 1989).
لقد رسمت "المعايير خطوطاً عامةً لفلسفةٍ ولتوجهٍ يمكن أن تُبنى على أساسهما مناهج تتلاءم مع خصوصيات المجتمعات والسياسيات التربوية المختلفة، ولم تفرض منهجاً صارماً بشكل لائحة محتوى وتدرج Scope and Sequence. "فالخيارات والمبادرات المحلية هي التي تحدد كيف ستتحقق هذه الرؤية والى أي مدى. إن المعايير تسمح بتنوع واسع في آليات المنهج التفصيلية المنسجمة مع تلك الرؤية" Crosswhiter, Dossey & Frye, 1989)).
وقد جاءت هذه المعايير نتيجة لتطور طويل في المواقف والأفكار المتعلقة بمناهج الرياضيات وتأثرها بالتقنيات المعلوماتية. وقد تراوحت هذه المواقف بين موقف مبدئي عام لا يدخل في التفصيلات ولا يحدد الكيفيات، كمثل توصية المجلـس الوطني لمدرسّي الرياضيات في الولايات المتحدة الأميركية بأن "تستفيد مناهـج الرياضيات من قدرات الحاسبـات والكمبيوتر في كل مراحـل التعليـم" (NCTM, 1980)، وبين مواقف هادفة وأكثر تحديداً تبدّت في الكثير من الاجتماعات والنقاشات والمؤتمرات العلمية، نذكر منها على الأخص المؤتمر التحضيري الذي أوصى بإنشاء لجنة وضع المعايير (NTCM, 1985)، ورسم الخطوط العامة للأسس الفلسفية والتربوية والتقنية لمناهج الرياضيات العتيدة.
وقد تبنّت لجنة وضع المعايير للرياضيات المدرسية مهمتين، أولاهما هي تكوين رؤية متكاملة ومتجانسة لما يعنيه إلمام المرء بالمعرفة الرياضية الأساسية في عالم يتميز باتجاهين: إنه يعتمد أكثر فأكثر على الحاسبات والكمبيوتر في تنفيذ العمليات الرياضية، من جهة، وتتطور فيه الرياضيات بسرعة ويتزايد تطبيقها في مختلف المجالات من جهة أخرى. أما المهمة الثانية فهي وضع مجموعة من المعايير التي توجّه إعادة النظر في مناهج الرياضيات المدرسية وتقويمها باتجاه تلك الرؤية.
ونقدم في المقاطع 1-2-3 التالية معالم تلك الرؤية وملامح من أهداف تعليم الرياضيات ومحتـواه التي تطرحهـا، وهـي جميعـاً مستقاة من كتاب "المعايير" (NCTM, 1989).
1.رؤية جديدة لمناهج الرياضيات
تقوم المعايير على فلسفة أساسية هي التحول من التعرّف الى الرياضيات من خارجها الى ممارسة الرياضيات فعلياً doing Mathematics، وهو أمر غدا أكثر تيسّراً مع توفّر التقنيات المعلوماتية التي تؤمّن الأدوات اللازمة لمعالجة المعلومات والأعداد والأشكال من جهة، وتؤمّن مصدراً كبيراً لمعلوماتٍ وإحصائياتٍ واقعية يمكن الاستفادة منها في حلّ مسائل واقعية ومعاصرة من جهة أخرى.
وتتميز الرؤية الجديدة لمناهج الرياضيات بأربعة اتجاهات محورية وكلّية تحدد طبيعة المعرفة الرياضية المبتغاة:
-الرياضيات بوصفها مجالاً لحل المسائل Mathematics as Problem Solving.
-الرياضيات بوصفها لغة تواصل Mathematics as Communication.
-الرياضيات بوصفها نهجاً للتفكير Mathematical as Reasoning
-الترابط الرياضي ضمن الرياضيات ومع المواد الأخرى وبالحياة Mathematical Connections.
وهذه الاتجاهات الأربعة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتحولات التي تسببها التقنيات المعلوماتية في الثقافة بشكل عام، وفي دور الرياضيات ضمن هذه الثقافة الجديدة.
2. الأهداف
إن التحولات الناتجة عن ثورة المعلومات تتطلب أهدافاً جديدة لتعليم الرياضيات، تسحب نفسها على مواصفات الفرد من جهة، وحاجات المجتمع من جهة أخرى. فإذا كان من أهداف التربية إعداد الفرد للعيش ضمن مجتمع اليوم والغد والتفاعل مع ثقافته، فإن الرياضيات المدرسية يجب أن تتحول من رياضيات نخبوية الى رياضيات للجميع، تقدّم معرفة أساسية لكل فرد، يستطيع من خلالها التعامل مع ثقافة متجهة أكثر فأكثر نحو استخدام الرياضيات والمعلوماتية وأدواتها. كذلك، فالأهداف يجب أن تشمل تطوير المهارات والتقنيات التي تتطلبها مجالات العمل المتجهة أكثر فأكثر نحو المكننة.
ومع توفر المعلومات وسهولة الوصول اليها عبر شبكات الاتصال، ومع التطور السريع الناتج عن التقنيات الجديدة، تصبح المعرفة الساكنة وتخزين المعلومات في ذهن المتعلمين حاجزاً إزاء التكيف السريع مع التغيرات. لذا، فمن المفترض أن تتجه الأهداف نحو تزويد المتعلمين بالقدرة على التعلم المستمر وعلى بناء معرفة ديناميكية متطورة بالاستعانة ببنوك المعلومات ومصادرها.
من أجل تحقيق كل ما تقدم، يجب تزويد المتعلم بقدرات تمكنه من الممارسة الحقيقية للرياضيات، لا التعرف اليها فحسب. من هذه القدرات أن يستطيع المتعلم صياغة وإعادة صياغة المسائل، وتجميع المعلومات والاستكشاف وصياغة فرضيات والتحقق من الافتراضات والمحاججة والبرهنة، الخ.
3. المحتوى
مع أن "المعايير" لم تضع منهجاً مفصلاً ولا لائحة جامعة مانعة لمواضيع الرياضيات المدرسية، إلا أنها حددت محاور تركيز واهتمام تصبغ دراسة أي من الموضوعات التفصيلية، كما اقترحت موضوعات جديدة للرياضيات المدرسية يتم إدخالها في كل مستويات التعليم نتيجة الحاجة اليها ضمن اتجاه تطور المجتمع، ونتيجة الامكانيات الجديدة المتوفرة بفضل التقنيات المعلوماتية.
محاور تركيز واهتمام:
•التمثيلات الإحداثية coordinate representations على الحاسبة أو الكمبيوتر.
•اكتشاف العلاقات المنتظمة patterns وصياغتها وتمثيلها بأشكال مختلفة.
•التركيز على فهم العمليات الرياضية وعلى تكوين الأفاهيم conceptual understanding.
•الاتجـاه نحو تطوير المعرفة الرياضية وبنائها ككل مترابط وفي السياق in context.
•التركيز على التمثيلات الرياضية mathematical representations  المختلفة والعلاقات ما بينها.
•التركيز على النمذجة الرياضية mathematical modeling وحل المسائل Problem solving.
- مواضيع جديدة:
•الإحصاء وتحليل المعطيات data analysis وعلم الاحتمالات في كل مراحل التعليم.
•المصفوفات matrices.
كذلك نجد منظوراً جديداً لمواضيع قديمة كانت موجودة أصلاً في مناهج الرياضيات الكلاسيكية، إلا أن الأهداف الجديدة والتقنيات المتوافرة فرضت إدخال تعديلات على تفصيلاتها، وإعادة رسم أولوياتها. نقدم في ما يلي ثلاثة أمثلة لهذه الموضوعات وما دخل عليها من تعديلات، كي نستطيع تكوين فكرة عن طبيعة الموضوعات التي زادت أهميتها فتقدمت الى واجهة المنهج، وتلك التي انحسرت أهميتها نتيجة للتطور الجديد.
أ- علـم العـدد
(1) عناوين مهمة
الحسّ العددي number sense.
المنزلة place value.
معنى الكسور والأعداد العشرية fractions and decimal numbers.
معنى العمليات الحسابية وتنمية الحدس بها.

الحساب الذهني mental computation.
التقدير estimation ومعقولية الإجابات.
انتقاء العملية المناسبة.
استعمال الحاسبة للعمليات المعقدة.
استراتيجيات التفكير.
استنباط خوارزمات algorithms وخطوات لحل المسائل العددية.
استكشاف العلاقات بين التمثيلات المختلفة والعمليات المختلفة على الأعداد بأنواعها: الصحيحةintegers  والكسرية fractional numbers والعشرية decimals والنسبية relative numbers والمُنطقة rational numbers والحقيقية real numbers.
تطوير فهم النسب proportions والنسب المئوية percents.
(2) عناوين غدت أقل أهمية
التعامل الرمزي مع الأعداد وتسميتها وكتابتها المبكرتان.
الحسابات المعقدة.
الحسابات المعزولة عن سياقها out of context.
تطبيق خوارزمات حسابية دون فهم.
الحسابات على الكسور.
تدوير الأعداد rounding خارج سياق واقعي.
حفظ قواعد أو علاقات أو عمليات عن ظهر قلب.
ب- الهنـدسـة والقيـاس
(1)عناوين مهمة
خصائص الأشكال الهندسية.
العلاقات الهندسية.
الحدس الهندسي geometric intuition والحس المكاني spatial sense.
عملية القياس measurement.
وحدات القياس.
ممارسة القياس. 

 تقدير القياس واستعماله في حل المسائل.
استعمال القياس والهندسة عبر مواضيع المنهج كلها.
تطوير فهم الكائنات الهندسية geometric objects والعلاقات ما بينها.
المقاربتان الإحداثية coordinate geometry والتحويلية transformational geometry.
تطوير براهين وحجج استنباطية في صيغة جمل ومقاطع.
استكشاف الهندسة المسطحة والمكانية plane and space geometry بواسطة الكمبيوتر الهندسة المثلثة الأبعاد 3-dimensional geometry
التطبيقات العملية الواقعية والنمذجة modeling.
(2)عناوين غدت أقل أهمية
حفظ أسماء وعلاقات عن ظهر قلب.
حفظ التحويلات بين وحدات القياس.
الهندسة الأقليدية بوصفها نظاماً مسلّمياً axiomatic system.
البراهين ذات العمودين two-column proofs.
المضلّعات داخل الدائرة أو المماسّة لها polygons inseribed in a circle or tangent to it.
العلاقات بين الدائرة وقطع المستقيمات المتناسبة proportional segments.
الهندسة التحليلية analytic geometry كموضوع منفصل.
البراهين الشكلية المجردة.
ج- الجبــر
(1)عناوين مهمة
تطوير فهم المتغيرات variables والجُمل الجبرية algebraic expressions والمعادلات equations.
استعمال طرائق مختلفة لحل المعادلات الخطية linear equations.
استكشاف المتراجحات inequalities والمعادلات اللاخطية non-linear equations.
استعمال مسائل واقعية لتطبيق النظريات والتحفيز على تعلمها.
استعمال طرائق معتمدة على برمجيات الكمبيوتر لتمثيل المعادلات والمتراجحات وحلّها.
بنية النظم العددية structure of number systems.
المصفوفات matrices وتطبيقاتها.
(2)عناوين غدت أقل أهمية
التعامل مع الرموز.
حفظ خطوات مقننة.
التدريب الآلي على حل المعادلات.
المسائل المقننة والبعيدة عن الواقع.
اختزال الجُمل الجذرية simplification of irrational expressions
العمليات على الجُمل الجذرية.
التمثيل البياني graphic representation للمعادلات نقطة نقطة.
الحسابات اللوغاريتيمية باعتماد الجداول logarithmic tables.
حل نظم المعادلات systems of equations باعتماد المحدّد determinant.
القطعات المخروطية conic sections.
4.الطرائق
نتيجة لاستعمال الحاسبة في تدريس الرياضيات، دعا المجلس الوطني للمشرفين على الرياضيات (National Council of Supervisors of Mathematics NCSM) الى "طرائق تعليم تنمّي تطوّر المفاهيم أكثر من تنميتها للمهارات. إذ أن استعمال الحسابات بشكل فعّال ومناسب يجعل التلاميذ أقدر على حل المسائل، ويزودّهم بقدرة رياضية أكبر" (NCSM, 1988). وقد عززّت المعايير هذا الاتجاه بوضعها توصيفاً عاماً للطرائق التي توصي باعتمادها في تعليم الرياضيات المدرسة، ومنها:
•استخدام الحاسبة وبرمجيات الكمبيوتر أدوات لممارسة النشاط الرياضي وبناء المعرفة الرياضية.
•التعلّم الناشط.
•التجريب والاستكشاف.
•حل المسائل مدخلاً وطريقة بالإضافة الى كونه هدفاً.
•ممارسة الرياضيات المدمجة في العلوم الأخرى وفي سياق المسائل الحياتية الواقعية.
•صياغة المعرفة الرياضية ونقلها شفاهة أو كتابة الى الآخرين.
•اعتبار التقويم المستمر جزءً أصيلاً من العملية التعليمية.
•تحوّل في أدوار كل من المعلم والمتعلم.
ومن الطرائق التي غدت مرفوضة:
•تقديم المعلومات جاهزة مقننة والتركيز على استذكارها.
•اعتبار المعلم والكتاب مصدريّ المعرفة الوحيدين.
•التدريب الآلي على العمليات الحسابية بصورة مجردة منفصلة عن سياق ذي معنى.
•تدريس مواضيع رياضية متفرقة ومعزولة.
•قوننة المسائل ومعطياتها وطريقة حلها.
5.التقويم
عام 1990، اعتُمدت المعايير أرضية لتصميم "التقويم الوطني للتقدم التربوي في الرياضيات" (National Assessment of Educational progress, 1990). في اختبارات NAEP الجديدة تمّ قياس التحصيل في المجالات الأساسية التي حددتها المعايير واعتُمدت أشكال للاختبارات تتطلب أجوبةً يقوم التلميذ ببنائها وصياغتها، كما تتطلب استعمال الحاسبات وتقدير نتائج الحسابات والقياسات. أما الاتجاهات العامة التي تحددها المعايير لعملية التقويم ضمن مناهج الرياضيات الجديدة فتتلخص في ما يلي:
•تقويم أساليب الفكر لا المعارف المتفرقة.
•اعتبار التقويم مرحلة أصيلة من مراحل العملية التعليمية.
•اعتماد نظرة كلية للمعرفة الرياضية، وطرح مسائل تقويمية مفتوحة ومرتبطة بحقول أفهومية عريضة.
•تنويع تقنيات التقويم بحيث تشمل الشفاهة والكتابة والعرض والنقاش.
•اعتماد الحاسبات والكمبيوتر أدوات ضمن عملية التقويم.
ومن أساليب التقويم التي غدت مكروهة:
•البحث عما لا يعرفه التلاميذ بدلاً من تقدير ما يعرفه والاستفادة منه.
•اعتبار التقويم مجرد عملية تعدادية لإجابات صحيحة بهدف إعطاء علامات فقط.
•اختبار حقائق رياضية معزولة ومنفصلة.
•الاكتفاء بالامتحانات الخطية.
•منع استخدام الحاسبة أو الكمبيوتر خلال الامتحان.
6.تأهيل المعلمين
لقد غدا من المعروف أنه ينبغي لأي تجديد في المناهج أن يأخذ المعلمين بعين الاعتبار، وإلا باء بالفشل. ولعل تجربة "الرياضيات الحديثة" التي شاء حظنا أن ترافقنا ثلاثة عقود هي خير دليل على ذلك. فمعظم الدراسات التي أجريت لتفسير فشل اعتمادها في التعليم عَزَتْه الى أنه لم يتم تحضير المعلمين للتغير العميق في فلسفة المناهج، ولم يَتِم تأهيلهم لاستخدام الطرائق الجديدة التي تفترضها؛ فتعاملوا مع المحتوى الجديد كما كانوا يتعاملون مع الرياضيات الكلاسيكية. وبذلك تحولت كل النشاطات التي كان الهدف منها تطوير المعرفة واكتشافها الى "تمارين" بالمعنى التقليدي للكلمة، للتدريب على معارف كان المعلم يقدمها سلفاً للتلاميذ.
إن التطورات الجديدة تتطلب فلسفة جديدة للمناهج، كما تعتمد تقنيات جديدة وسائل لها. ومن المرجّح أن الكثير من المعلمين لا يملكون المعارف والمهارات اللازمة لاستخدام التقنيات الجديدة في تعليمهم، كما أنهم لا يتبنون بالضرورة المواقف والمعتقدات الفلسفية والتربوية التي ترتكز عليها المناهج الجديدة.
عام 1980، أصدر NCTM توصية عامة بأن "تشمل برامج إعداد معلمي الرياضيات لكل مستويات التعليم التعرف على الكمبيوتر Computer Literacy، وبعض الخبرة في البرمجة ودراسةً لأساليب الاستخدام الفعال للحاسبة والكمبيوتر في التدريس.
أما "المعايير" فقد اقترحت محاور أربعة ينبغي أن تتطور مواقف المعلمين على أساسها:
-ضرورة أن يعي المعلمون التغير الجذري في طبيعة الرياضيات المدرسية وأساليب مقاربتها.
-ضرورة أن يعي المعلمون التغير الجذري في دورهم ودور التلاميذ ضمن العملية التعلمية.
-اتخاذ القرارات بشأن تقويت استخدام التقنيات المعلوماتية وكيفيته ضمن العملية التعلمية.
- وعي أهمية الوسائل البصرية والتمثيلية كمرحلة وسيطة بين المحسوس والمجرد.
أما عن المعارف والمهارات الضرورية للمعلمين نتيجة ادخال التقنيات المعلوماتية في تدريس الرياضيات، فينبغي تطويرها في مجالات أربعة.
-استخدامات الحاسبة والكمبيوتر أدوات لحل المسائل الرياضية.
-الإمكانيات التي يقدمها الكمبيوتر في تمثيل المعرفة وفي تقويم التعليم وإدارته.
-مفاهيم المعرفة المعلوماتية الأساسية التي تسهم في تنمية المعرفة الرياضية أو ترتكز عليها.
-برمجيات الكمبيوتر النفعية التي يمكن استخدامها (الجدولة الإلكترونية وبرمجيات التمثيل البياني والتصميم الهندسي).

ثالثاً: الحالة اللبنانية
يشهد لبنان اليوم ورشة عمل كبرى على الصعيد التربوي، تتمثل في وضع مناهج جديدة لمواد التعليم بعد فترة طويلة من الركود. ومن المعروف أن التخطيط لأية مناهج تعليمية ينطلق من أهداف عريضة على مستوى المجتمع والفرد، تحددها فلسفة وسياسة تربويتان، ثم تتم ترجمتها الى أهداف مرتبطة بكل مادة، ترسم الخطوط العريضة لعناوينها ومحتواها وطرائقها.
لقـد حددّت خطة النهوض التربوي والهيكلية الجديدة للتعليم فـي لبنـان     (1995) الأهداف العريضة بأبعادها الفكرية والإنسانية والوطنية والاجتماعية. وحددت الهيكلية مواصفات للمواطن الذي تتوخى تكوينه، ومن ضمنها "المواطن المدرك أهمية التكنولوجيا والقادر على استخدامها وتطويرها والتفاعل معها بشكل واعٍ ومتقن". أما في مجال أطر المواد التعليمية ومناهجها، فقد ذكرت الهيكلية "المعارف التكنولوجية في المجالات التي تتيح ذلك [...] لتنمية أسلوبٍ في العمل والتفكير يعزز آلية استعمال المعارف والمفاهيم العلمية في إطارها الشامل والمتكامل كمهارات عملية". إن تحقيق مثل هذه الأهداف لا يتم فقط عبر استحداث مواد منهجية جديدة تعنى بالتكنولوجيا والمعلوماتية، وإنما أيضاً عبر رؤية جديدة تنتهجها المواد جميعاً باتجاه دمج التكنولوجيا الجديدة ضمن مقومات مناهجها من أهداف ومحتوى وطرائق. فمن العبث أن تبقى مادة الكمبيوتر مادة منفصلة معزولة عن بقية المواد، يكتسب خلالها التلميذ مهارات ومعارف خاصة، دون ربطها بباقي ما يتعلمه في محيطه المدرسي وما يمارسه في حياته اليومية.
إن المنهج هو مجموع الخبرات التي يكتسبها الأشخاص في محيط ما. وهو يشمـل كـل أنواع التفاعـل ما بين الأشخاص وما بينهم وبين محيطهم المـادي (Brubaker, 1982). وإذا كان المحيط المدرسي في لبنان ولا سيما في المدارس الرسمية قد خلا، أو كاد يخلو، حتى اليوم من أدوات التقنيات المعلوماتية، فمن المتوقع أن يتم تزويد المدارس خلال بضع سنوات بهذه الأجهزة، على الأقل لإسباغ صفة الحقيقة والواقع والمعقولية على مادة المعلوماتية نفسها. فالمحيط المدرسي المادي سوف يتغير تغيراً كبيراً مع دخول هذه الأجهزة واستعمالها، ناهيك عما نلاحظه من انتشارها السريع في محيط المنزل والعمل ونواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
إذاً، فالإشكالية في لبنان لم تعد اليوم حول خيار ما إذا كنا سنستعمل الكمبيوتر في تدريسنا أم لا، وإنما حول تحديد مواصفات الإنسان القادر على التفاعل معه والإستفادة من إمكانياته، وهو أداة موجودة أصلاً لتحقيق غايات متعددة ومتنوعة، كما أنه أداة تحمل فيضاً من المعلومات الواردة من أماكن وثقافات متعددة.
يبقى أن نطرح الأسئلة المهمة حول كيفية تأثر المناهج، وبخاصة منهج الرياضيات بوجود هذه التكنولوجيا هدفاً وأداةً في الوقت نفسه. هل نستمر مثلاً في تدريس خطوات إيجاد الجذر التربيعي لعدد من أربع منازل، وتدريب التلاميذ على حفظها واستعمالها، بينما تعطينا الحاسبة الجواب في أقل من دقيقة؟ وإذا لم نفعل فما الذي ندرّسه بديلاً؟ وكيف نتعامل مع مفهوم الجذر التربيعي؟ وهل نستمر في تخصيص الجهد والوقت لتدريس جداول تغيّرات التوابع المختلفة table of variations of functions لبناء رسم بياني لها، في حين أن الحاسبة البيانية graphics calculator تقوم بهذا العمل بسرعة ودقة كبيرتين؟ هل أن بناء هذه الرسوم البيانية هو هدف بحد ذاته أم أنه وسيلة للوصول الى أهداف أبعد في دراسة التوابع ومقارنتها وإنشاء علاقات فيما بينها؟ في الحالة الثانية، يمكن أن نولي هذه المهمة الى الحاسبة البيانية ونركز على تطوير القدرات والمهارات الأخرى. ما هي الإمكانيات الجديدة التي تقدمها لنا الحاسبة البيانية في معالجة التوابع وفهمها؟ وكيف نستفيد منها لإدخال مواضيع ومهارات جديدة الى المنهج لم تكن واردة من قبل، لتحلّ محل المهارات السابقة؟ كيف تتأثر أساليب التقويم بتوافر أجهزة تقوم بالكثير من المهمات التي كانت تشكّل محوراً للامتحانات فيما سبق؟ ما هي المعارف والمهارات الجديدة التي يجدر تقويمها؟ وكيف؟ ما مدى استعداد المعلمين الفكري والنفسي للتكيّف مع فلسفة المناهج الجديدة وتبنّيها؟ ما هي الأساليب التي يمكن اتباعها لتغيير مواقفهم وتنمية مهاراتهم، وهم صنفان: الأول قضى فترة طويلة من عمره المهني يدرّس المنهج الحالي المعتمد منذ حوالي الثلاثين سنة (المعلمون القدامى)، والثاني قضى فترة تعلّمه في ظل هذا المنهج (المعلمون الجدد)؟ وفي الحالين، فالمعلمون مُشبعون بروحية المنهج الحالي ومشاكله، وفلسفته التي لا بد من أن تكون مختلفة عن فلسفة أي منهج جديد. فكيف يمكن تزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة له؟
اسئلة كثيرة تفرض نفسها اليوم على واضعي مناهج الرياضيات. قد لا توجد بالضرورة إجابات جاهزة وسريعة عنها، إنما هي جديرة بأن تُطرح وأن يبدأ التفكير بإجابات عنها وحلول لها، وبالخيارات التي يجب اتخاذها بشأنها، ولو على سبيل التجربة والاختبار، إذ لم يعد من المعقول أن نستمر في تجاهل أدوات العصر الحديث والإصرار على إمكانية الاستمرار في تربية وطنية
معزولة عنها، بل ومبنية على موقف سلبي منها.

ليست هناك تعليقات:

المشاركات الشائعة