بعد أن بلغت الدولة
العباسية أوج التقدم والتمدن في خلافة هارون الرشيد وابنه المأمون، الذي
تُرجمت في أيامه أغلب كتب اليونان، وتقدمت العلوم تحت وارف ظلها تقدمًا لم
تبلغه الدولة الإسلامية قبل عصره.. أخذت الدولة في التقهقر شيئا فشيئًا
تبعًا لناموس الحياة الطبيعية، القاضي بالهرم بعد الشبيبة، سنة الله في
خلقه {ولن تجد لسنة الله تبديلًا}. واستمر الانحلال ينخر عظامها حتى أنها
سقطت بسقوط دار السلام في قبضة قبائل التتار في 20 محرم سنة 656 هجرية،
وقتلِهم الخليفة المستعصم بالله آخر العباسيين ببغداد، بعد أن لبثت دولتهم
زيادة عن خمسة قرون دعامة التمدن الإسلامي.
ومن ثَم لم يكن للإسلام بعدها دولة عظيمة تحمي بيضته وتضم أشتاته؛ بل ضاعت وحدته الملكية واستقل كل حاكم بما وكل إليه أمره من العمالات، واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن قيّض الله للإسلام تأسيس الدولة العلية العثمانية، فجمعت تحت رايتها أغلب البلاد الإسلامية، وفتحت كثيراً من الأقاليم التي لم يسبق تحليها بحلية الدين الحنيف، وأعادت للإسلام قوته وأعلت بين الأنام كلمته.
ومؤسس هذه الدولة هو أرطغرل بن سليمان شاه التركماني، قائد إحدى قبائل الترك النازحين من سهول آسيا الغربية إلى بلاد آسيا الصغرى، وذلك أنه كان راجعًا إلى بلاد العجم بعد موت أبيه غرقًا عند اجتيازه أحد الأنهر؛ إذ شاهد جيشين مشتبكين فوقف على مرتفع من الأرض ليمتع نظره بهذا المنظر المألوف لدى الرحل من القبائل الحربية، ولما آنس الضعف في أحد الجيشين، وتحقق إنكساره وخذلانه إن لم يمد إليه يد المساعدة.
دبت فيه النخوة الحربية ونزل هو وفرسانه مسرعين لنجدة أضعف الجيشين، وهاجم الجيش الثاني بقوة وشجاعة عظيمتين حتى وقع الرعب في قلوب الذين كادوا يفوزون بالنصر لولا هذا المدد الفجائي، وأعمل فيهم السيف والرمح ضربًا ووخزًا حتى هزمهم شر هزيمة، وكان ذلك في أواخر القرن السابع للهجرة.
وبعد تمام النصر علم أرطغرل بأن الله قد قيضه لنجدة الأمير علاء الدين سلطان (قونية)، إحدى الإمارات السلجوقية التي تأسست عقب انحلال دولة آل سلجوق بموت السلطان ملك شاه في 15 شوال سنة 485 (18 نوفمبر سنة 1092م) فكافأه علاء الدين على مساعدته له بإقطاعه عدة أقاليم ومدن، وصار لا يعتمد في حروبه مع مجاوريه إلا عليه وعلى رجاله، وكان عقب كل انتصار يقطعه أراضي جديدة ويمنحه أموالًا جزيلة، ثم لقب قبيلته بـ(مقدمة السلطان) لوجودها دائمًا في مقدمة الجيوش وتمام النصر على يديه.
وفي غضون ذلك تزوج عثمان أكبر أولاد أرطغرل ببنت رجل صالح كان رآها مصادفة عند والدها وعلق بها، ولكن أبى والدها أن يزوجها له، فحزن عثمان لذلك وأظهر الصبر والجلد ولم يرغب الاقتران بغيرها حتى قبل أبوها، بعد أن قص عليه عثمان منامًا رآه ذات ليلة في بيت هذا
الصالح، وهو أنه رأى القمر صعد من صدر هذا الشيخ، وبعد أن صار بدرًا نزل في صدره، أي في صدر عثمان، ثم خرجت من صلبه شجرة نمت في الحال حتى غطت الأكوان بظلها، ونظر أكبر الجبال تحتها، وخرج النيل والدجلة والفرات والطونة من جذعها، ورأى ورق هذه الشجرة كالسيوف يحولها الريح نحو مدينة القسطنطينية. فتفاءل الشيخ من هذا المنام وزوَّجه ابنته. ومع اعتقادنا أن هذا المنام لا بد أن يكون موضوعًا كما يضع المؤرخون مثل هذه الأحلام لتعليل ظهور وتقدم كل دولة سواء كان في ممالك الشرق أو الغرب؛ فقد ذكرناه تتميمًا للفائدة.
وقبل أن يبني بها كان طلبها أمير (اسكى شهر) فرفض والدها طلبه، فحنق على عثمان لما تزوجها وأراد أن يفتك به، فهاجمه في قصر أحد مجاوريه وطلب من صاحب القصر أن يسلمه إليه فأبى، ثم خرج عليه عثمان ومن معه وردَّه على عقبه، وأَسر (كوسه ميخائيل) أحد من كان معه من الأمراء، ولكثرة إعجاب هذا الأمير بشجاعة عثمان تعلق به وصار من أخصائه، ثم أسلم وبقيت ذريته مشهورة في تاريخ الدولة باسم عائلة (ميخائيل أوغلي).
ولما تُوفي أرطغرل سنة 687هـ الموافقة سنة 1288م عيَّن الملك علاء الدين أكبر أولاده مكانه، وهو عثمان مؤسس دولتنا العلية العثمانية. وفي هذه السنة ولدت زوجته (مال خاتون) ولدًا ذكرًا، وهو (أورخان)، ولم يلبث عثمان أن تحصل على امتيازات جديدة عقب فتحه قلعة (قره حصار) سنة 688 هجرية الموافقة سنة 1289 ميلادية، فمنحه الملك في السنة المذكورة لقب (بك)، وأقطعه كافة الأراضي والقلاع التي فتحها، وأجاز له ضرب العملة وأن يُذكر اسمه في خطبة الجمعة. وبذلك صار عثمان بك ملكًا بالفعل لا ينقصه إلا اللقب.
وفي سنة 1300 م تقريبًا الموافقة سنة 699هـ أي السنة المتممة للقرن السابع من التاريخ الهجري، أغارت جموع التتار على بلاد آسيا الصغرى، وفيها كانت وفاة علاء الدين آخر السلجوقيين بقونية. قيل قتله التتر، وقيل قتله ولده (غياث الدين) طمعًا في المُلك.
ولما قتل التتار غياث الدين أيضًا انفتح المجال لعثمان فاستأثر بجميع الأراضي المقطعة له، ولقب نفسه (پـاديشاه آل عثمان)، وجعل مقر ملكه مدينة (يكى شهر)، وأخذ في تحصينها وتحسينها، ثم أخذ في توسيع دائرة أملاكه، فسار إلى مدينة ازميد ثم ازنيك، ولما لم يتمكن من فتحهما عاد إلى عاصمته واشتغل في تنظيم البلاد.
حتى إذا أمن اضطرابها وتجهَّز للقتال.. أرسل إلى جميع أمراء الروم ببلاد آسيا الصغرى يخيِّرهم بين ثلاثة أمور: الإسلام أو الجزية أو الحرب؛ فأسلم بعضهم وانضم إليه، وقبل البعض دفع الخراج، واستعان الباقون على السلطان عثمان بالتتار واستدعوهم لنجدتهم؛ لكن لم يعبأ بهم السلطان عثمان بل هيأ لمحاربتهم جيشًا جرارًا تحت إمرة ابنه أورخان، فسار إليهم هذا الشبل ومعه عدد ليس بقليل من أمراء الروم ومن ضمنهم كوسه ميخائيل صديق عثمان الذي اختار الإسلام دينًا. وبعد محاربة عنيفة شتت شمل التتار وعاد مسرعًا لمحاصرة مدينة (بورصة)؛ فحاصرها سنة 717هـ الموافقة سنة 1317م، وللتمكن من فتحها بسهولة هاجم حصن (اردنوس) الكائن على قمة جبل أولمب؛ فدخله عنوة ثم دخل مدينة بورصة بعد أن فتح كافة ما حولها من القلاع والحصون وحاصرها نحو عشر سنوات من غير ما حرب ولا قتال، إذ أرسل ملك القسطنطينية أوامره لعامله على هذه المدينة بالانسحاب، فأخلاها ودخلها أورخان وعساكره، ولم يتعرض لأهلها بسوء مقابل دفع ثلاثين ألف من عملتهم الذهبية، وأسلم حاكمها (افرنوس) وأعطى له لقب (بك) وصار من مشاهير قوَّاد العثمانيين.
ومن ثَم لم يكن للإسلام بعدها دولة عظيمة تحمي بيضته وتضم أشتاته؛ بل ضاعت وحدته الملكية واستقل كل حاكم بما وكل إليه أمره من العمالات، واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن قيّض الله للإسلام تأسيس الدولة العلية العثمانية، فجمعت تحت رايتها أغلب البلاد الإسلامية، وفتحت كثيراً من الأقاليم التي لم يسبق تحليها بحلية الدين الحنيف، وأعادت للإسلام قوته وأعلت بين الأنام كلمته.
ومؤسس هذه الدولة هو أرطغرل بن سليمان شاه التركماني، قائد إحدى قبائل الترك النازحين من سهول آسيا الغربية إلى بلاد آسيا الصغرى، وذلك أنه كان راجعًا إلى بلاد العجم بعد موت أبيه غرقًا عند اجتيازه أحد الأنهر؛ إذ شاهد جيشين مشتبكين فوقف على مرتفع من الأرض ليمتع نظره بهذا المنظر المألوف لدى الرحل من القبائل الحربية، ولما آنس الضعف في أحد الجيشين، وتحقق إنكساره وخذلانه إن لم يمد إليه يد المساعدة.
دبت فيه النخوة الحربية ونزل هو وفرسانه مسرعين لنجدة أضعف الجيشين، وهاجم الجيش الثاني بقوة وشجاعة عظيمتين حتى وقع الرعب في قلوب الذين كادوا يفوزون بالنصر لولا هذا المدد الفجائي، وأعمل فيهم السيف والرمح ضربًا ووخزًا حتى هزمهم شر هزيمة، وكان ذلك في أواخر القرن السابع للهجرة.
وبعد تمام النصر علم أرطغرل بأن الله قد قيضه لنجدة الأمير علاء الدين سلطان (قونية)، إحدى الإمارات السلجوقية التي تأسست عقب انحلال دولة آل سلجوق بموت السلطان ملك شاه في 15 شوال سنة 485 (18 نوفمبر سنة 1092م) فكافأه علاء الدين على مساعدته له بإقطاعه عدة أقاليم ومدن، وصار لا يعتمد في حروبه مع مجاوريه إلا عليه وعلى رجاله، وكان عقب كل انتصار يقطعه أراضي جديدة ويمنحه أموالًا جزيلة، ثم لقب قبيلته بـ(مقدمة السلطان) لوجودها دائمًا في مقدمة الجيوش وتمام النصر على يديه.
وفي غضون ذلك تزوج عثمان أكبر أولاد أرطغرل ببنت رجل صالح كان رآها مصادفة عند والدها وعلق بها، ولكن أبى والدها أن يزوجها له، فحزن عثمان لذلك وأظهر الصبر والجلد ولم يرغب الاقتران بغيرها حتى قبل أبوها، بعد أن قص عليه عثمان منامًا رآه ذات ليلة في بيت هذا
الصالح، وهو أنه رأى القمر صعد من صدر هذا الشيخ، وبعد أن صار بدرًا نزل في صدره، أي في صدر عثمان، ثم خرجت من صلبه شجرة نمت في الحال حتى غطت الأكوان بظلها، ونظر أكبر الجبال تحتها، وخرج النيل والدجلة والفرات والطونة من جذعها، ورأى ورق هذه الشجرة كالسيوف يحولها الريح نحو مدينة القسطنطينية. فتفاءل الشيخ من هذا المنام وزوَّجه ابنته. ومع اعتقادنا أن هذا المنام لا بد أن يكون موضوعًا كما يضع المؤرخون مثل هذه الأحلام لتعليل ظهور وتقدم كل دولة سواء كان في ممالك الشرق أو الغرب؛ فقد ذكرناه تتميمًا للفائدة.
وقبل أن يبني بها كان طلبها أمير (اسكى شهر) فرفض والدها طلبه، فحنق على عثمان لما تزوجها وأراد أن يفتك به، فهاجمه في قصر أحد مجاوريه وطلب من صاحب القصر أن يسلمه إليه فأبى، ثم خرج عليه عثمان ومن معه وردَّه على عقبه، وأَسر (كوسه ميخائيل) أحد من كان معه من الأمراء، ولكثرة إعجاب هذا الأمير بشجاعة عثمان تعلق به وصار من أخصائه، ثم أسلم وبقيت ذريته مشهورة في تاريخ الدولة باسم عائلة (ميخائيل أوغلي).
ولما تُوفي أرطغرل سنة 687هـ الموافقة سنة 1288م عيَّن الملك علاء الدين أكبر أولاده مكانه، وهو عثمان مؤسس دولتنا العلية العثمانية. وفي هذه السنة ولدت زوجته (مال خاتون) ولدًا ذكرًا، وهو (أورخان)، ولم يلبث عثمان أن تحصل على امتيازات جديدة عقب فتحه قلعة (قره حصار) سنة 688 هجرية الموافقة سنة 1289 ميلادية، فمنحه الملك في السنة المذكورة لقب (بك)، وأقطعه كافة الأراضي والقلاع التي فتحها، وأجاز له ضرب العملة وأن يُذكر اسمه في خطبة الجمعة. وبذلك صار عثمان بك ملكًا بالفعل لا ينقصه إلا اللقب.
وفي سنة 1300 م تقريبًا الموافقة سنة 699هـ أي السنة المتممة للقرن السابع من التاريخ الهجري، أغارت جموع التتار على بلاد آسيا الصغرى، وفيها كانت وفاة علاء الدين آخر السلجوقيين بقونية. قيل قتله التتر، وقيل قتله ولده (غياث الدين) طمعًا في المُلك.
ولما قتل التتار غياث الدين أيضًا انفتح المجال لعثمان فاستأثر بجميع الأراضي المقطعة له، ولقب نفسه (پـاديشاه آل عثمان)، وجعل مقر ملكه مدينة (يكى شهر)، وأخذ في تحصينها وتحسينها، ثم أخذ في توسيع دائرة أملاكه، فسار إلى مدينة ازميد ثم ازنيك، ولما لم يتمكن من فتحهما عاد إلى عاصمته واشتغل في تنظيم البلاد.
حتى إذا أمن اضطرابها وتجهَّز للقتال.. أرسل إلى جميع أمراء الروم ببلاد آسيا الصغرى يخيِّرهم بين ثلاثة أمور: الإسلام أو الجزية أو الحرب؛ فأسلم بعضهم وانضم إليه، وقبل البعض دفع الخراج، واستعان الباقون على السلطان عثمان بالتتار واستدعوهم لنجدتهم؛ لكن لم يعبأ بهم السلطان عثمان بل هيأ لمحاربتهم جيشًا جرارًا تحت إمرة ابنه أورخان، فسار إليهم هذا الشبل ومعه عدد ليس بقليل من أمراء الروم ومن ضمنهم كوسه ميخائيل صديق عثمان الذي اختار الإسلام دينًا. وبعد محاربة عنيفة شتت شمل التتار وعاد مسرعًا لمحاصرة مدينة (بورصة)؛ فحاصرها سنة 717هـ الموافقة سنة 1317م، وللتمكن من فتحها بسهولة هاجم حصن (اردنوس) الكائن على قمة جبل أولمب؛ فدخله عنوة ثم دخل مدينة بورصة بعد أن فتح كافة ما حولها من القلاع والحصون وحاصرها نحو عشر سنوات من غير ما حرب ولا قتال، إذ أرسل ملك القسطنطينية أوامره لعامله على هذه المدينة بالانسحاب، فأخلاها ودخلها أورخان وعساكره، ولم يتعرض لأهلها بسوء مقابل دفع ثلاثين ألف من عملتهم الذهبية، وأسلم حاكمها (افرنوس) وأعطى له لقب (بك) وصار من مشاهير قوَّاد العثمانيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق