لا يمكن إنكار ، أن صوت أحمد سعيد خلال السنوات التى تلت 1956 ، كان علامة مسجلة لحركة العروبة ....
وتزايدت حدة إذاعات أحمد سعيد خلال شهور التوتر التى سبقت نكسة حرب 1967 ...
وزاد الطين بلة ، أنه أذاع جملة "سنلقيهم فى البحر" ... التي نادي بها "أحمد الشقيرى" .. رئيس المنظمة الفلسطينية ، قبل عرفات والتى كانت فى سياق خطبة للشقيرى وجهها للفلسطينيين فى ألأسابيع التى سبقت حرب 1967
كانت الدعاية الصهيونية واللوبى الصهيونى ينتظرون ، جملة بهذا الشكل ليكتلوا كافة القوى ووسائل الأعلام العالمية ضد جمال عبدالناصر ... بل كانت لهم .. المفتاح الذى أدخلهم لقلوب الرئيس الأمريكى وغيره من الدول التى أيدت إسرائيل خلال تلك ألأسابيع ... وما زالت تعتمد على هذه الجملة حتى اليوم لتلقى باللوم على القاهرة ونيتها السيئة
مازالت ...خطورة هذه الجملة ،....، فى أن وسائل الأعلام نشرتها وتنشرها عند تداولها لحرب 1967 ... وأنها حركت المشاعر فى أوربا وبالذات ألمانيا ... ويعتبرون أن إعادة ترديدها من أحمد سعيد ، صوت العرب ، ما هو إلا تعبيرا عن السياسة المصرية لرسمية
كم كنت أتمنى أن يتسم أحمد سعيد بالشجاعة .... ويتحمل دوره فى المسئولية .... بالنسبة لنكسة 1967 ...
فالحروب ليس قتالا بالأسلحة فقط .. ولكن إعدادا نفسيا ... ومعنويا من أهم عوامل القتال "إستراتيجيا" والتى تصاحب كل حرب فى العالم ....... معروف عنه "الحرب الأستراتيجية" ، التى كانت لجملة أحمد سعيد الأثر السلبى الفظيع والأعداد النفسى العالمى ... لكى نخسر هذه الحرب قبل أن تبدأ .... عســــكريا
د. بحى الشاعر
اقتباس:
السيد الغضبان في تعقيب علي مذكرات أحمد سعيد
اقتباس:
حقيقة ما دار بالإذاعة أيام النكسة
--------------------------------------------------------------------------------
الأستاذ أحمد سعيد صديق عزيز، وإذاعي قدير أدي دورا بالغ الأهمية خلال فترة المد القومي وحركات المقاومة العربية ضد قوات الاحتلال في جميع البلاد العربية، وبالأسلوب الذي رآه مناسبا للمرحلة وحقق نتائج باهرة في تلك الفترة.
غير أنني أعتب عليه سرده لفترات بالغة الحساسية تناول فيها دور الإذاعة والإذاعيين خلال عدد من الأحداث بالغة الأهمية في تاريخنا المعاصر، لأنه في سرده لدور الإذاعة والإذاعيين لم يحالفه التوفيق في سرد الكثير من التفاصيل.
ولا يخالجني أدني شك في أن الأستاذ أحمد سعيد لم يتعمد عدم الدقة بقصد بل ربما غامت الرؤية عنده وقد مر زمن طويل علي هذه الأحداث.
وكنت أود ألا تضطرني الظروف لتصويب حكايات الأستاذ أحمد سعيد ، وفكرت فعلا في عدم التعرض لحكاياته عن دور الإذاعة والإذاعيين خلال النكسة (المنشور في "العربي" عدد الأحد 12/10/2003) لكن ضميري لم يسترح لترك الأمر دون تصويب، لأن هذه الأحداث التاريخية يجب أن يتم سردها بدقة تامة، ولأن تاريخ الإذاعة والتليفزيون المصري في هذه الفترة هو جزء من تاريخ مصر في فترة من أكثر الفترات حساسية. وعلينا جميعا أن نحرص أشد الحرص علي ذكر الحقائق بدقة وعلي تصويبها إذا نشرت علي غير حقيقتها. فإذا كان الحرص علي الصداقة فضيلة.. فالحرص علي الحقيقة فضيلة أكبر.
التنظيم الطليعي بالإذاعة والتليفزيون سيطر علي البث صباح 5 يونيو
وسأحرص علي استعراض ما أريد تصويبه باختصار مع ذكر شهود الوقائع ومنهم والحمد لله كثيرون مازالوا علي قيد الحياة واسأل الله أن يمتعهم بالصحة والعافية.. كما أن التصويب الذي أسجله يعتمد علي وثائق لم تطمسها الأيام.
{ في البداية يذكر الأستاذ أحمد أن أحد مديري مكتب المشير أبلغه بضرورة الاستعداد لاحتمال بدء الهجوم علي إسرائيل يومي 25 و26 مايو وأنه ـ أي الأستاذ أحمد ـ قام بوضع خطة بتكوين مجمعات من عدة فرق الأولي بقيادة جلال معوض والثانية بقيادة فاروق خورشيد والثالثة بقيادة السيد الغضبان.
}} ويؤسفني أن يكون تشكيل هذه المجموعات قد تم في توقيت مختلف ومن جهة أخري هي الأستاذ عبدالحميد الحديدي رئيس الإذاعة في ذلك الوقت.
وتفصيل ذلك مهم لأنه يكشف عن حقيقة الأوضاع في الإذاعة والتليفزيون في تلك الفترة.
أما حقيقة ما تم فقد جرت علي النحو التالي.. في صباح الخامس من يونيو اجتمعت اللجنة القيادية للتنظيم الطليعي بمبني ماسبيرو وتشاورت في أفضل طريقة لتوزيع العمل، خاصة بعد أن تم ضم جميع موجات الإذاعة. وتم الاتفاق علي تشكيل عدة مجموعات بقياة الزملاء أحمد سعيد وجلال معوض وطاهر أبو زيد وفاروق خورشيد والسيد الغضبان.. علي أن تتولي كل مجموعة مهمة التنفيذ باستوديو الهوا لمدة أربع ساعات ويقوم فاروق خورشيد ومجموعته بالإقامة في ستوديو "الإذاعات السرية" لخبرته في هذا الاستوديو لتكون هذه المجموعة هي "البديل" الذي يبدأ العمل فورا من هذا الاستوديو لو تعرضت استوديوهات ماسبيرو لأعطال نتيجة لأي ظرف من الظروف.
ذهبت بهذا الاقتراح إلي الأستاذ عبدالحميد الحديدي رئيس الإذاعة وهو السلطة الوحيدة المخولة بإصدار القرارات في مثل هذه الحالة التي تضم فيها الموجات. وأقر الأستاذ الحديدي الاقتراح وأصدر القرارات الإدارية بتشكيل هذه المجموعات.
تفاصيل تشكيل الفرق علي هذا النحو الذي ذكرته يعني أمرين:
الأول: إن رئيس الإذاعة هو السلطة الوحيدة المخولة بإصدار القرارات لتنظيم العمل في مثل هذه الظروف.
الثاني: إن "التنظيم الطليعي" بالإذاعة والتليفزيون بادر منذ اللحظة الأولي بالسيطرة علي البث، وكانت جميع الفرق التي تم تشكيلها تضم عددا من أعضاء هذا التنظيم.. ولاستكمال السيطرة علي الموقف أسندت مسئولية "الأخبار" إلي الزميل اسحق حنا مراقب الأخبار يعاونه الزميل سمير كرم وآخرون.. أما التنسيق والمكتبات وهي مصدر جميع المواد المسجلة، فكانت مؤمنة بقيادتها العليا وهو الزميل المرحوم بدوي الغنام. وكلف الزميل المرحوم حسني ناصر وهو مشرف هندسي بتولي مسئولية أجهزة البث بالاستوديو وغرفة التحكم المركزي الرئيسية، وهي عصب البث الإذاعي "الكنترول روم" (control room) وقد حرصت علي ذكر هذه التفاصيل لأنها ستفسر فيما بعد الكثير مما جري في تلك الأيام.
{ يقول الأستاذ أحمد سعيد إنه بعد أن علم بأمر الهزيمة في الساعة الحادية عشرة من صباح أول أيام العدوان قرر منع إذاعة أية بيانات عسكرية جديدة وبالذات البيان رقم 4.
}} الحقيقة أن البيانات العسكرية أذيعت جميعها، وكما وردت من القيادة العامة للقوات المسلحة، ولم يمنع إذاعة أي بيان.
اللجنة القيادية بمبني ماسبيرو اجتمعت وتشاورت في طريقة توزيع العمل
ولعلي هنا أشير للتوضيح أن جميع الفرق كانت ملتزمة بإذاعة بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة دون أي تصرف.. وكان مسئول كل فرقة له الحق خلال فترة عمل فرقته أن يتصرف في اختيار الأناشيد الوطنية المناسبة وفي صياغة النداءات التي توجه إلي الجنود وإلي المواطنين للصمود لا أكثر.
ولعل تفصيل آلية العمل فيما يتعلق بالبيانات العسكرية وغيرها من الأخبار تفيد في كشف الحقيقة حول إذاعة أو حجب أي بيانات عسكرية.. "فمراقبة الأخبار" هي الجهة الوحيدة التي تتلقي هذه البيانات العسكرية من القيادة العامة مباشرة وهي التي تتلقي الأخبار المختلفة.. وتقوم "مراقبة الأخبار" بنسخ البيانات العسكرية كما هي دون أي تدخل وترسلها إلي ستوديو التنفيذ ليتولي المذيع الموجود بالاستوديو إذاعة هذه البيانات دون أي تدخل في الصياغة.
أي أن الأستاذ أحمد سعيد لم يكن الجهة التي تتلقي هذه البيانات العسكرية، ولم يكن مخولا بالاتصال بأي جهة غير مراقبة الأخبار أو رئيس الإذاعة، وكان وضعه مساو لأي زميل أسندت إليه مسئولية إحدي الفرق خلال الفترة التي حددت له.
ولو فرضنا جدلا ـ مرة أخري ـ أن الزميل أحمد سعيد اتصل بمبادرة شخصية بأي جهة بعيدا عن القنوات الشرعية الطبيعية التي يحددها نظام العمل وأنه امتنع عن إذاعة البيان رقم 4 (ولماذا البيان رقم 4 بالذات؟!.. وماذا عن البيانات التالية؟) ولو فرضنا أن الزميل أحمد سعيد قرر الامتناع عن إذاعة هذا البيان، فقد كان هذا الموقف سيلقي رفضا حاسما من عدد من العاملين معه في نفس الفترة مثل الزملاء محمد الخولي وعبدالوهاب قتاية لأنهما يلتزمان بنظام العمل الطبيعي، ولو تصورنا أن الزميل أحمد أصر علي الرفض فقد كان الزملاء العاملون معه والذين ذكرت أسماء بعضهم سيبادرون مع الإصرار علي إذاعة البيانات بالاتصال بمسئول التنظيم الطليعي ليقوم بدوره بإبلاغ الأستاذ الحديدي رئيس الإذاعة ويتم إذاعة البيان حتي ولو اقتضي الأمر إبعاد الزميل أحمد سعيد عن الاستوديو.
{ يروي الزميل أحمد سعيد حكاية تنحي الرئيس عبدالناصر بطريقة يؤكد بها أنه كان يعلم بقرار التنحي قبل إذاعته!!.. وأن السادات اتصل به ليذيع دعوة لأعضاء مجلس الشعب لعقد جلسة صباح الغد!!.. قبل إذاعة بيان الرئيس!!
"مراقبة الأخبار" الجهة الوحيدة التي تلقت البيانات العسكرية من القيادة العامة مباشرة
}} الحقيقة أن أحدا لم يكن يعلم بما سوف يتضمنه خطاب الرئيس عبدالناصر.. وذهب الزميل جلال معوض إلي منزل الرئيس عبدالناصر لإذاعة الخطاب وأذعنا تنويهات عن الانتقال قريبا إلي إذاعة خارجية لبث خطاب مهم للرئيس عبدالناصر.
وطلب الزميل جلال معوض الانتقال إلي الإذاعة الخارجية، وتم الانتقال وقدم الزميل جلال الرئيس عبدالناصر.
كنا جميعا نصغي بكل جوارحنا للخطاب حتي وصل الرئيس عبدالناصر للفقرة التي أعلن فيها التنحي عن الرئاسة واختياره زكريا محيي الدين ليخلفه.
عند هذا الحد ساد الوجوم.. وأجهش الكثيرون بالبكاء، وجاء صوت الزميل جلال وهو يحاول إنهاء الإذاعة الخارجية متحشرجا وانفجر في البكاء ولم يستطع أن يكمل كلامه. وساد صمت عميق وتعامل الجميع بالإشارة والعبرات تخنقهم.. وتم بث مارشات عسكرية.
وبدأنا نتمالك بعد فترة.. وكان لابد من اتخاذ قرار سريع لتحديد نوعية الخطاب الذي نتوجه به إلي الجماهير.
طلبت من الزملاء أعضاء اللجنة القيادية للتنظيم الطليعي أن نجتمع فورا بالاستراحة الملحقة بالاستوديو للتشاور.. واستقر الرأي علي أن تدور معاني النداءات التي نوجهها إلي الجماهير حول أهمية الصمود والبعد تماما عن أي عمل يلحق أي ضرر بالمنشآت والتعبير عن المشاعر بأسلوب حضاري والثقة في أن المؤسسات السياسية سوف تعالج الموقف بحكمة، والمهم أن نثق جميعا أن مصر ستظل قادرة علي الصمود والعطاء.. ورأينا أن يتم اختيار الأناشيد الوطنية التي تتغني بأمجاد مصر وشعب مصر واستبعاد أية أناشيد تتضمن اسم الرئيس عبدالناصر.
وعدنا إلي الاستوديو حيث كان الأستاذ عبدالحميد الحديدي رئيس الإذاعة والأستاذ علي خشبة وكيل وزارة الإعلام يجلسان بالاستوديو يتشاوران في الأسلوب الأمثل للتعامل مع الموقف. عرضت عليهما نتائج حوارنا معا فتحمس الأستاذ الحديدي والأستاذ خشبة لهذه الأفكار.
وبدأنا علي الفور بسحب الأناشيد المتضمنة لاسم الرئيس عبدالناصر وطلبنا من الأستاذ بدوي الغنام أن يرسل إلي الاستوديو جميع الأناشيد والأغنيات التي تتحدث عن مصر وشعب مصر.
بعد قرابة الساعة اتصل بي الأستاذ بدوي الغنام وأخبرني أن الزميل أحمد سعيد طلب جميع الأناشيد التي تتضمن اسم عبدالناصر وبالذات نشيد "يا حبيب الملايين" وطلب إرسال هذه الأشرطة إلي "ستوديو المونتاج
وأسرعت إلي الاستوديو الذي حدده الزميل أحمد لعمل المونتاج.. وسألت الزميل أحمد عن سبب طلبه أناشيد عبدالناصر.. فاطلق الزميل أحمد ضحكته الشهيرة وهو يقول المسألة كلها بلف (bluff) والراجل راجع راجع إحنا بقي يا أبو السيد هنذيع نداءات نرفض فيها التنحي ونطالب بضرورة عودة الرئيس.. وطبعا الرئيس هيرجع هيرجع ويبقي إحنا ساهمنا في عودته.. رفضت هذا المنطق وأخبرت الزميل أحمد أن الموقف الحساس لا يحتمل مثل هذا التشويش وأننا اتفقنا مع الأستاذين الحديدي وخشبة وهما السلطة الأعلي، حيث لم نستطع الاتصال بوزير الإعلام الأستاذ محمد فايق علي أن يقتصر البث علي الأناشيد التي تتحدث عن مصر وشعب مصر وأن علينا جميعا أن نلتزم بهذا.
اختلفت مع أحمد سعيد حول إذاعة أناشيد عبدالناصر عقب خطاب التنحي وغادر ماسبيرو غاضبا ولم يعد
رفض الزميل أحمد وأصر علي أن ينفذ فكرته، فاخبرته أنه لن يتمكن من الحصول علي الأشرطة المطلوبة.. ثار الزميل أحمد واتصل بالأستاذ بدوي الغنام يستحثه علي أن يرسل أناشيد عبدالناصر بسرعة.. وجاءه الرد حاسما آسف يا أستاذ أحمد هذه الأناشيد ممنوعة؟!
أسقط في يد الزميل أحمد خاصة عندما علم أن الفترة المخصصة للفرقة التي يتولي مسئوليتها قد تولي مسئوليتها فاروق خورشيد الذي عاد من استوديو "الإذاعات السرية".
وترك الزميل أحمد سعيد مبني ماسبيرو غاضبا هو ونائبه المرحوم كمال إسماعيل.
{ يقول الزميل أحمد سعيد أنه تلقي مكالمة من سامي شرف يخبره بأن المشير عبدالحكيم عامر قادم إلي الإذاعة لإلقاء بيان وأن سامي شرف طلب من أحمد سعيد منع المشير وأنه طلب منه أن يتصرف وحمّله المسئولية!!
}} الحقيقة أن خبر احتمال حضور المشير إلي الإذاعة عرفه قسم الأخبار وأخبرنا به في الاستوديو في حضور الأستاذين الحديدي وخشبة.
وقد حدث هذا بعد أن غادر الزميل أحمد سعيد المبني غاضبا أي أنه لم يكن موجودا أصلا بالمبني!!
وحاولنا الاتصال بوزير الإعلام الأستاذ محمد فايق فلم نتمكن من الاتصال به.. قمنا بمحاولة للاتصال بالسيد شعراوي جمعة وزير الداخلية لتعزيز الحراسة حول المبني فلم نتمكن من إتمام الاتصال.
وأخيرا تمكنت من الاتصال بالزميل محمد عروق وكان يرافق وزير الداخلية فأفاد بأن الداخلية لن تتمكن من إرسال أي تعزيزات لحماية المبني!!
ومرة أخري اجتمعت اللجنة القياية للتنظيم الطليعي وبعد تشاور اقترح الزميل فاروق خورشيد أن نستقبل المشير بالاستوديو ويقدمه المذيع بشكل عادي، وفي نفس الوقت يتم توصيل ستوديو آخر بغرفة التحكم المركزي (control room) ويتم بث مارشات عسكرية علي الهواء مباشرة بينما يتم فصل الاستوديو الذي يذيع منه المشير بيانه "عن الهوا" ويسمع البيان داخليا فقط من خلال مكبرات الصوت الموجودة بغرقة المراقبة الملحقة بالاستوديو حتي يطمئن مرافقو المشير إلي أن البيان تتم إذاعته فعلا!!
أحمد سعيد لم يشارك في الدعوة لمجلس الشعب ولا مواجهة احتمال حضور المشير إلي الإذاعة
وسألت الزميل المرحوم حسني ناصر المشرف الهندسي عن إمكانية تنفيذ هذه الخطة دون أن يشعر المشير ومرافقوه فأجاب بأن المسألة ممكنة بشرط الحرص التام علي سريتها.. لكنه أكد أن الأمر يمكن ببساطة أن ينكشف بعد إلقاء البيان خاصة لو اتصل أي إنسان من أعوان المشير به وكان يتابع الإذاعة من أي جهاز راديو!!
وقررنا أن يتم تنفيذ هذه الخطة في حالة وصول المشير فعلا لإلقاء بيانه، ولأول مرة قررنا أن يبقي الأمر سرا بيننا وأن نخفيه حتي علي الأستاذ الحديدي رئيس الإذاعة والأستاذ علي خشبة وكيل وزارة الإعلام.
ولم يحضر المشير ومرت الليلة بسلام.
{ يقول الزميل أحمد سعيد إن السادات طلب منه إذاعة دعوة لأعضاء مجلس الشعب للاجتماع صباح اليوم التالي، وذلك قبل إلقاء خطاب التنحي!!
}} والحقيقة أن موضوع اجتماع مجلس الشعب لم يطرح إلا بعد بضع ساعات من إذاعة خطاب التنحي.. وكنا خلال هذه الساعات نواصل إذاعة الأناشيد الوطنية ونداءات للجماهير لتهدأ وتترك للمؤسسات السياسية أمر اتخاذ القرارات المناسبة.
وأخيرا وقبيل منتصف الليل اتصل الأستاذ محمد فايق وزير الإعلام بالاستوديو وأملاني خبرا يقول إن مجلس الشعب سيجتمع صباح الغد للنظر في رغبة الرئيس عبدالناصر في التنحي.. وطلب إذاعة الخبر عدة مرات وتوجيه نداءات لأعضاء المجلس لحضور جلسة الغد نظرا لعدم إمكانية إرسال الدعوات لهم.
كان هذا الخبر هو الإنقاذ من حالة الاضطراب والترقب.. وتم إذاعة الخبر فورا.. وأعدنا إذاعته مرات عديدة.
كانت الساعة عندئذ قد تجاوزت منتصف الليل بقليل وكان البث الإذاعي طوال الأيام السابقة لا يتوقف طوال الأربع والعشرين ساعة.. وهنا اقترح بعض الزملاء أن ننهي البث في الواحدة والنصف وهو الموعد الذي كان البرنامج العام ينهي فيه بثه اليومي.
وكان منطق الزميل صاحب الاقتراح أن استمرار الإرسال سيوحي للجماهير أن هناك أخبارا جديدة يمكن أن تبث وأن هذا التوقع سيبقي الجماهير متيقظة وقلقة، بينما إنهاء البث بالقرآن الكريم في الموعد الطبيعي السابق للحرب بعد إذاعة خبر اجتماع مجلس الشعب سيوحي للجماهير بأن الأمور عادت إلي طبيعتها.. طرحت الفكرة علي الأستاذ عبدالحميد الحديدي رئيس الإذاعة فاستحسنها ووافق علي التنفيذ.
وفي موعد انتهاء البث الطبيعي في الواحدة والنصف صباحا أذيع النشيد الوطني بعد القرآن الكريم وأنهي البث.
وانتهي يوم عصيب.. وكانت أكثر فتراته حساسية وخطورة هي الفترة التي تلت إذاعة خطاب التنحي وفترة ترقب حضور المشير عامر إلي الإذاعة. وفي هاتين الفترتين بالتحديد كان الزميل أحمد سعيد بعيدا عن الاستوديو بعد أن خرج غاضبا كما ذكرت، وبالتالي فإن الزميل أحمد لم يشارك ـ مجرد مشاركة ـ في الدعوة لمجلس الشعب أو مواجهة احتمال حضور المشير إلي الإذاعة!!
{ يقول الزميل أحمد سعيد أن سامي شرف اتصل به يوم 13 يونيو وقال له إن الرئيس عبدالناصر يطلب منك فصل الموجات أي العودة للبرامج العادية!!
محمد فائق نصح بأسلوب منطقي ونبرة هادئة في "صوت العرب" بعيدا عن النبرة العالية المثيرة
}} والحقيقة أن قرار فصل الموجات اتخذه وزير الإعلام الأستاذ محمد فايق في هذا اليوم حيث دعي إلي اجتماع حضره الأستاذ عبدالحميد الحديدي رئيس الإذاعة، وقيادات الأخبار والبرامج بالإذاعات ومسئولو الإذاعات (البرنامج العام ـ صوت العرب ـ إذاعة الشعب) وبدأ الأستاذ فايق الاجتماع بصوت يكاد يختنق من ألم يحاول كتمانه.. أخبرنا أن مصر قبلت وقف إطلاق النار.. وأن أمامنا سنوات صعبة لإعادة بناء القوات المسلحة لخوض معركة لا مناص من خوضها لتحرير الأرض.
وأضاف أن بناء القوات المسلحة سوف يستغرق بضع سنين ولابد أن نبدأ من الآن في تعديل نغمة الخطاب الحماسي حتي لا نبقي الجماهير في حالة توتر لفترات طويلة فنحن بحاجة ماسة إلي أن تبدأ الجماهير في عمل جاد وفي جو هادئ بعيدا عن التوتر.. ولهذا فقد اتخذ قراره بفصل الموجات لتعود كل إذاعة لبث برامجها العادية مع مراعاة أهمية التركيز علي ابتكار برامج تتحدث عن كفاح الشعوب وصمودها في ساعات الخطر والإصرار علي التحرير.
وأبدي الزميل أحمد سعيد ملاحظاته ومفادها أنه لا يستطيع أن يفقد ثقة الجماهير العربية فيه وهو الذي يدعوها دائما إلي استمرار النضال.. ورد الأستاذ فايق بهدوء مؤكدا أن استمرار النضال مطلوب بل هو أمر ضروري لكن العبارات التي تصاغ بها الدعوة لاستمرار النضال.. ومخاطبة العقل بأسلوب منطقي ونبرة هادئة هي الطريق الأمثل لكسب ثقة الجماهير وإقناعها بالاستعداد لنضال طويل الأمد.. ولم يبد علي أحمد سعيد أنه اقتنع بهذا المنطق.. وانفض الاجتماع.. وتم فصل الموجات.
وفوجئنا بالزميل أحمد سعيد يواصل في "صوت العرب" الأسلوب الذي يراه مناسبا لكسب ثقة الجماهير العربية والذي يعتمد علي النبرة العالية المثيرة.
واستدعاني الأستاذ عبدالحميد الحديدي رئيس الإذاعة ليخبرني أنه في حيرة من أمره لأن الأستاذ فايق وزير الإعلام طلب منه أن يبلغ أحمد سعيد بالحصول علي إجازة يستريح فيها حتي تهدأ أعصابه.. وقال الأستاذ الحديدي كيف أبلغ أحمد هذا القرار قلت له يا أستاذ حديدي أعتقد أن الزميل أحمد سيتفهم دوافع هذا القرار وعلي أي حال فهل تملك ألا تبلغه هذا القرار فقال الرجل لا بالطبع.. سأبلغه وأنا أشعر بالأسف.
وعندما أبلغ الزميل أحمد سعيد بهذا القرار ثار ثورة عارمة وعبر عن غضبه باستقالة صاغها بعبارات حادة.. وقرر الأستاذ محمد فايق وزير الإعلام قبول الاستقالة وإنهاء عقد الزميل أحمد سعيد.. وتم اختيار الزميل محمد عروق أحد الرواد الأوائل بـ"صوت العرب" ليشغل منصب مدير "صوت العرب".. واستقبل قرار تعيين محمد عروق بترحيب كبير فالمرحوم "عروق" له إسهاماته الكبيرة في نجاحات "صوت العرب" خاصة من خلال برامجه الشهيرة أمثال "أكاذيب تكشفها حقائق"، كما أن الثقافة السياسية الواسعة لـ"محمد عروق" وخبرته المهنية المتميزة طمأنت الجميع إلي أن "صوت العرب" قد بدأ مرحلة جديدة تتناسب مع المتغيرات الثقافية التي شملت شرائح كبيرة من الجماهير العربية.
هذا هو دور الزميل أحمد سعيد الحقيقي في تلك الأيام الحساسة، والحقائق التي ذكرتها لم يزل كثير من شهودها أحياء.. ولا يعني هذا أنني أقلل من دور أحمد سعيد في فترات سابقة كان فيها فارس "صوت العرب" بلا منازع.
غير أن الزميل أحمد سعيد يحكي الأٌحداث وكأنه المسئول الأوحد عن الإذاعة بكل أقسامها وإذاعاتها، وكأن الإذاعيين من زملائه في تلك الفترة كانوا مجرد كمبارس مهمته تلقي الأوامر من سيادته، وأن جميع المستويات القيادية بالإذاعة ووزارة الإعلام كانت تنتظر نتائج اتصالاته بالقيادات السياسية العليا أو اتصالات هذه القيادات به.
هذه الصورة التي رسمها الزميل أحمد سعيد لزملائه ظلمته قبل أن تظلمهم فقد كانت قيادات وزارة الإعلام وقيادات الإذاعة علي مستوي المسئولية وكانت هذه القيادات شخصيات عملاقة لها مكانتها الثقافية والمهنية المتميزة، وكان انتماء الزميل أحمد سعيد لهذه الكوكبة زميلا له مكانة وموقع مماثل لهم أمرا يعتزون به وأظن أن الزميل أحمد سعيد يعتز به هو أيضا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق